إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
فتاوى في المسح
41789 مشاهدة
مقدمة الطبعة الثانية

الحمد لله الذي سهل طريق العبادة، ورفع عن الأمر الآصار والأغلال كما أراده، وأكمل لنا الدين وأغنانا به عن النقص والزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعظم بها من شهادة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه، الذين جاهدوا في الحق حق جهاده.
وبعد:
فإن عقيدة أهل السنة والجماعة إباحة المسح على الخفين، لما في ذلك من التيسير على العباد، والوقاية من أضرار البرد الشديد. وقد انقسم الناس فيه إلى ثلائة أقسام:
الأول: أنكروه وضللوا من فعله، وهم طوائف كثيرة، سيماهم البعد عن السنة، فحكم السلف عليهم بالابتداع وإنكار السنة المتواترة التي هي من محاسن الدين.
والقسم الثاني: تساهلوا في ذلك وخرجوا عن الحد المحدود، فأحقوا بالخفاف لفائف وخرقا وجوارب شفافة وأحذية غير ساترة، ومسحوا على ما يسمى بالشراب، ولو كان مخرقا ورقيقا لا يحصل به الستر ولا الوقاية من شدة البرد ونحوه، فوقعوا فيما يبطل طهارتهم عند الجمهور وما لا يجوز المسح عليه عند جميع الأئمة.
والقسم الثالث: توسطوا واتبعوا ما جاء به الدليل. ولما ظهر إنكار الرافضة والإباضية في هذا الزمان على من يمسح على الخفاف ونحوها رد عليهم أهل السنة وأوضحوا كل ما أشكل أمره، وبينوا الأدلة على ذلك، ولكن لما كثر بيننا الذين تساهلوا في المسح على الجوارب ولو شفافا أو مخرقا استلزم ذلك البحث عن حكمه، وقد اتضح لنا أن جواز المسح علي الجوارب خاص بالإمام أحمد وأن غيره اشترط كونه صفيقا تحصل به التدفئة، وغيره اشترطوا أن يكون منعلا وأن يمكن المشي فيه وحده، وأن لا يخرقه الماء، وأن الإمام أحمد اشترط كونه صفيقا تحصل به التدفئة، وكونه يثبت بنفسه، وكان المعروف إمكان المشي فيه وحده، وعدم الخرق فيه.
وقد اتضح أن المسح عليه مع عدم الشروط لا يرفع الحدث، وقد أخذ بعض المشايخ بالرخصة في المسح على الخف المخرق، كما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وجهلوا أن كلام شيخ الإسلام في الخفين لا في الجوارب، وأن الجوارب في عهده كانت صفيقة وفي أسفلها رقعة من جلد، وأن هذا الشراب لباس جديد مثل الفانيلة والكنادر والشباشب والتليك ونحوها من المسميات الجديدة.
وقد كتبت في المسح هذه الأجوبة وبحثت في السؤال الخامس عن الجوارب، وذكرت مختصر كلام الفقهاء فيها، وتكلمت في السؤال التاسع والثلاثين عن الخف المخرق، وعن الفرق بينه وبين الشراب.
وقد طبع هذا الكتاب لأول مرة بإشراف الشيخ الدكتور طارق بن محمد الخويطر وها هو الآن يعاد طبعه بعد تصحيح وإضافة؛ رجاء أن ينفع الله به من أراد به خيرا، ونسأل الله أن يوفق المسلمين لتطبيق الشريعة والعمل بتعاليم الإسلام، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويصلح أحوال المسلمين في كل مكان، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين